الصيد يعلم الصبر.. بل يعلم فن الحياة، يبحر الصياد كل يوم بحثا عن الرزق والمكتوب، يبحث عنه في بطن البحر الذي هو في علم الغيب..
هذا الصياد العجوز صاحب الضحكة المطمئنة الصافية الطيبة الثابتة الواثقة القوية.. هذه الضحكة النابعة من القلب.. هذا القلب الصامد الهادئ.
ضحكة غالبة علي الواقع الصعب.. وعلي الأيام.. وعلي الظروف.. فالقهر لا يقهره.. والغلب لا يحيره.. والعوز لا يقلقه.. فهو مطمئن بالله وبرحمته برغم كل شيء... فهو قادر علي الإحتفاظ براحة البال والسكينة.. برغم أنه لا يملك في جيوبه إلا بعض القروش.
هذا الصياد العجوز من بورسعيد.. لا يصطاد السمك.. لكنه يصطاد أم الخلول.. هذا الكائن الذي يحيا داخل القواقع.. يسمي أحيانا الجندوفلي.. وأفضل الأوقات لصيده من بدايات خيوط الفجر وحتي الحادية عشرة.
وقديما كان يتم منح أم الخلول لمن يشتري السمك كهدية في الأزمنة القديمة التي كانت تحمل الخير والبركة.. في كل فجر يحمل الصياد أدواته وشباكه.. ويرتدي ملابسه المتهالكة.. ويحمل معه الأمل والإيمان والحب كقارب نجاة كما قال صلاح جاهين.. مفيش غير بس هو الحب قارب نجاة لغرقي بحر الحياة!!
هذا الصياد صاحب الإبتسامة المدهشة يذكرني برائعة أرنست هيمنجواي.. العجوز والبحر. التي فاز بها بجائزة نوبل.. حين صور الصراع بين الإنسان وقوي الطبيعة وجسدها بطلها الصياد العجوز سانتياجو.. هيمنجواي حاول أن يثبت معني إنسانيا رائعا.. وهو أن الإنسان يمكن هزيمته ولكن لا يمكن قهره، ويبقي الصيد في الأصل هواية قبل أن يكون مهنة.. هواية تهذب النفس والأخلاق.. وتجمع كل معاني الإحساس والشعور بالرضا والسعادة والصبر والطمأنينة والإختلاء بالذات.. فما أجمل أن تسكن إلي نفسك تتفاعل مع الطبيعة.. وتحاور نفسك، تفرغ همومك وحمولك وضغوطك وتتركها علي الله.
هذا الصياد، صاحب الضحكة الساحرة، قادر علي تجاوز الواقع وهمومه، تاركا الأمر لله.. رب البحر.. ورب الأرض.. ورب السماء.
الكاتب: زينب عبد الرزاق.
المصدر: جريدة الأهرام اليومي.